الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإعلام السوري: وفرة الوسائل… وعجز الإقناع 

الإعلام السوري: وفرة الوسائل… وعجز الإقناع 

14.08.2021
رياض معسعس


القدس العربي 
الخميس 12/8/2021 
حرم السوريون من حرية الرأي والتعبير منذ بداية تسلط حزب البعث على السلطة في العام 1963، حيث تم تجميد العمل بقانون المطبوعات الصادر في 1949 والذي كان يضمن حرية الصحافة، وإصدار الصحافة الخاصة. 
وازداد الأمر سوءا بعد انقلاب تشرين الأول – أكتوبر 1970 الذي قاده حافظ الأسد للاستئثار بالسلطة، وجمع كل الصلاحيات بيده اليمنى. 
وباتت وسائل الإعلام كلمة مرادفة لأجهزة المراقبة والمخابرات، وهي بطبيعة الحال وسائل رسمية تسبح بحمد النظام القائم كصحيفتي “البعث”، و”تشرين”. 
ولم يكن مسموحا قطعيا ترخيص أي وسيلة إعلامية خاصة. 
 
فقدان الثقة 
لقد فقد المواطن السوري ثقته بالخطاب الإعلامي الرسمي المنافي للواقع المعيش، خاصة وأن وسائل إعلام خارجية عربية ودولية كانت تدرج أخبار الداخل السوري بما يعكس صورة مختلفة تماما عما تقدمه وسائل الإعلام الرسمية التي توزع نسخها بالاشتراك الإجباري لشركات ومؤسسات يهمها إرضاء النظام الذي لم يكن يهتم كثيرا لإثبات مصداقيته في صحفه الثماني التي تصدر يوميا في دمشق (تشرين، البعث، سيريا تايمز) والمدن الكبرى (الفداء في حلب، والعروبة في حمص، الجماهير في حماة، الفرات في دير الزور)، مجموعة كبيرة من المجلات، والمنشورات كانت تصد عن الوزارات المختلفة، والنقابات والأحزاب، والجيش. لكنها جميعا دون استثناء كانت أيضا موالية للنظام وتحت المراقبة المشددة أيضا. 
هذا بالنسبة للصحافة المكتوبة، أما بالنسبة للمسموعة فاحتكار السلطة لها منذ نشأتها في العام 1939 جعل منها مؤسسات حكومية دورها ينحصر في الترفيه، و”البروباغندا” لترويج ما يقوله النظام لكل من يقرأ، وبالأخص من لا يقرأ ( وللأسف لا يوجد قراء إما لنسبة الأمية التي تقارب 40 في المئة، أو للعزوف عن القراءة). 
أما الصحافة المرئية التي بدأت في العام 1960 فكانت بالطبع حكرا على النظام ويحرص حرصا شديدا على حمايتها، فالانقلابات العسكرية في سوريا كانت تبدأ ببلاغ رقم 1 من الإذاعة بعد اقتحامها والسيطرة عليها، وقد تم إنشاء إذاعة صوت الشعب لتكون بوق النظام في العام 1978. ثم بالطبع السيطرة على التلفزيون الذي بدوره شهد بروز قناتين جديدتين: القناة الثانية في العام 1986، والفضائية السورية في العام 1996 وكلتاهما رسميتان مسخرتان لبث ونشر خطاب النظام. إلا أن الإقبال على كل هذه الوسائل كان ضعيفا جدا بعد بداية بروز القنوات الفضائية الكبرى كقناة الجزيرة، والأم بي سي، وقناة أبو ظبي. 
 
بداية الصحافة الخاصة 
مع توريث بشار الأسد الحكم في سوريا صدر قرار قانون المطبوعات الجديد ( قانون رقم 50) في العام 2001. 
قانون المطبوعات الجديد كان ظاهره الانفتاح، وباطنه التضييق. 
وخلال العشرية قبل الثورة صدر حوالي 232 مطبوعة، منها حوالي 60 مطبوعة رسمية، والباقي خاصة. كما صدر قانون القنوات الإذاعية الخاصة في العام 2002. تعمل على موجة إف إم، لكن محظورا عليها أن تقدم أي برامج سياسية، في الصحافة المرئية لم يسمح إلا لرامي مخلوف (ابن خال بشارالأسد) بإنشاء قناة دنيا، ( تغير اسمها لاحقا لتصبح قناة سما) وهي بمثابة قناة رديفة للقنوات الرسمية. 
وبالمختصر فإن كل هذه الوسائل “الخاصة” كانت تخضع لمراقبة المراكز الأمنية، ونشأت لتكون بوقا موازيا لأبواق السلطة. 
 
صحافة المعارضة 
لم يصدر أي وسيلة إعلامية معارضة خلال نصف قرن في الداخل السوري. لكن في الخارج كان هناك محاولات لإصدار وسائل إعلامية معارضة، ففي العام 1980 قام رئيس الوزراء السابق صلاح الدين البيطار بإصدار صحيفة “الإحياء العربي” لكن سرعان ما توقفت بعد أن قام نظام حافظ الأسد باغتياله في صيف عام 1980 في مكتبه في باريس. 
محاولات أخرى قامت بها مجموعات معارضة في باريس منها مجلة “الاختيار الوطني الديمقراطي” التي كانت تصدر عن لجنة دعم العمل الديمقراطي في سوريا والتي كان يرأسها الراحل فاروق سبع الليل، وتضم مجموعة كبيرة من شباب سوريا المثقفين، والفنانين، ثم تم إصدار مجلة المنتدى الصادرة عن المنتدى السوري في باريس والذي ترأسه الراحل المخرج عمر أميرالاي، ثم الاقتصادي فايز ملص، والدكتور إميل كساب. 
وكانت هناك محاولة من رفعت الأسد “عم بشار الأسد” الذي كان يعارض حكم أخيه حافظ فأصدر مجلة الفرسان، وصحيفة الشام من باريس، وقناة “أي إن إن ” من لندن، لكن الصحيفتين سرعان ما توقفتا. لكن المعارضة كانت تتكئ على الصحافة العراقية في لندن وباريس ( أو اللبنانية المدعومة من العراق ) لتنشر فيها مقالات تهاجم فيها نظام الأسد كالوطن العربي، والحوادث التي أودت معارضة صاحبها سليم اللوزي إلى القتل وكذلك أخيه مصطفى. ووجهت أصابع الاتهام إلى المخابرات السورية التي كانت تسيطر على لبنان في تلك الفترة (1980). 
 
بعد الثورة 
ما أن انطقت الثورة السورية في بداية العام 1911 حتى بدأت موجة كبيرة من الإصدارات الصحافية في المناطق المحررة، وفي الخارج وخاصة تركيا كصدى الشام مثلا لعبسي سميسم، وعنب بلدي لجواد الشربجي، وكذلك الإذاعية فانطلقت حوالي خمسين إذاعة (منها على الانترنيت) كإذاعة آرتا، وسمارت، والآن، مثلا، وروزانا من باريس، وإذاعة الكل التابعة للمجلس الوطني المعارض من تركيا، وهناك إذاعة أورينت التي يمتلكها رجل الأعمال السوري غسان عبود وتبث من الإمارات. وأيضا قناة تلفزيونية بنفس الإسم. وقد ثم أيضا انطلاقة كبيرة لمواقع سورية معارضة على الإنترنيت، كموقع كلنا شركاء، على سبيل المثال لا الحصر، وزمان الوصل، وسوريا نت، والسوري اليوم. لكن إصدارات كثيرة توقفت، وكذلك الإذاعات التي كانت تعتمد جميعها على الدعم المالي من منظمات دولية كانت تعتقد في البداية أن نظام بشار الأسد سيسقط كما سقطت الأنظمة الأخرى، ثم اختلف المشهد السياسي اختلافا جذريا مع التدخل الإيراني والروسي والأمريكي والتركي، فأحجمت الكثير من المنظمات حتى يتبين من تطورات المشهد السياسي إلى أين تتجه سوريا، وكيف يمكن التعامل معها، ومع المعارضة التي بات قسم كبير منها يعمل تحت مظلة تركية، وعليه فإن المشهد الإعلامي السوري يزداد قتامة لأنه لم يصل إلى إقناع السوري بخطابه أكان من طرف النظام، أم من المعارضة، فالعبرة ليست بالوفرة.